الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
وما الفرق بين التعبيرين؟ حسبان هنا تعني أن تحسب الأشياء، فنحن نحسب السنة بدورة الشمس ب 365 يومًا وربع اليوم وهي تمر بالبروج فيها خلال هذه المدة، والقمر يبدأ بروجه كل شهر في ثمانية وعشرين يومًا وبعض اليوم، ونحن نحسب بالشمس اليوم، ونحسب بها العام، ولكنا نحسب الشهر بالقمر، وأنت لا تقدر أن تحسب الشهر بالشمس، بل تحسب الشهر بالقمر لأنه يظهر صغيرًا ثم بكبر ويكبر ويكبر. ولذلك يثبت رمضان عندنا بالقمر لا بالشمس. واليوم نثبته بالشمس.وهكذا عرفنا أن الشمس والقمر ويعملان في حسابنا للأيام والشهور، والاثنان حسبان: الشمس لها حساب، والقمر له حساب وإذا ما نظرت إلى كلمة حسبان تفهم أن الشمس والقمر، كليهما مخلوق ليحسب به شيء آخر؛ لأنهما خلقتا بحسبان، أي أنهما قد أريد بهما الحساب الدقيق، لأن الشمس مخلوقة بحساب، وكذلك القمر.وتعال إلى الساعة التي نستعملها، ألا يوجد بها عقرب للساعات، وآخر للدقائق، وثالث للثواني؟. وهذا أقل ما قدرنا عليه، وإن كان من الممكن أننا نقسم الثانية إلى أجزاء مثلما عملنا في المساحات؛ فهناك المتر، والسنتيمتر، والملليمتر، ثم بعد ذلك قلنا الميكروملليمتر. إذن، كلما نرتقي في التقدم العلمي نحسب الحساب الأدق. ولم تكن الشمس والقمر حسابًا لنا نحسب بهما الأشياء إلا إذا كانت مخلوقة بحساب.إنك حين تنظر إلى ساعتك تدرك قفزة عقرب الثواني ولكنك لا تدرك حركة عقرب الدقائق، وكذلك لا تدرك حكة عقرب الساعات، وكل من العقارب الثلاثة يدور بزمبلك وترس معين. إن اختلت الحركة في زمبلك أو ترس، ينعكس هذا الخلل على بقية العقارب، والثانية محسوبة على الدقيقة، والدقيقة محسوبة على الساعة.وهكذا فإن لم تكن الساعة مصنوعة بهذا الحساب الدقيق فهي لن تعمل جيدًا. وهكذا لا نعتبر الساعة معيارا لحساب أزماننا إلا أنها في ذاتها خلقت بحساب. والحق سبحانه يقول: {الشمس والقمر بِحُسْبَانٍ} أي لنحسب بهما لأنهما مخلوقتان بحسبان. أي بحساب دقيق، ولماذا لم يقل الحق حسابًا وجاء بحسبان هنا، وحسبان في آية سورة الرحمن؟. ذلك لأن الأمر يقتضي مبالغة في الدقة. فهذا ليس مجرد حساب، لكنه حسبان.ويذيل الحق الآية بقوله: {ذلك تَقْدِيرُ العزيز العليم}، وكلمة {العزيز} تفيد الغلبة والقهر فلا يستطيع أحد أن يعلو عليه؛ فهذه الأجرام التي تراها أقوى منك ولا تتداولها يدك، إنّها تؤدي لك مهمة بدون أن تقرب منها؛ فأنت لا تقترب من الشمس لتضبطها، مثلما تفعل في الساعة التي اخترعها إنسان مثلك، والشمس لها قوة قد أمدها الله خالقها بها ولا شيء في صنعته ولا في خلقه يتأبّى عليه. فهذا هو تقدير العزيز العليم، وهو سبحانه يعطينا حيثيات الثقة في كونها حسبانا لنحسب عليها. فهو جل وعلا خالقها بتقدير عزيز لا يغلب، وهو عزيز يعلم علما مطلقا لا نهاية له ولا حدود. اهـ.
وقرأ الحسن وأبو رجاء وعيى بن عمر: {الأصباح} بفتح الهمزة، وهو جمع صُبْح نحو: قُفْل وأقْفَال، وبرد وأبراد، وينشد قوله: [الرجز] بفتح الهمزة من الأمساء والأصباح على أنهما جمع مُسْي وصُبْح، وبكسرهما على أنهما مَصْدَرَان، وقرئ {فالق الأصباح} بفتح {الأصْبَاح} على حذف التنيون لالتقاء الساكنين كقول القائل في ذلك: [المتقارب] وقرئ {والمقيمي الصلاة} [الحج: 35] و{لَذَائِقُو العذاب} [الصافات: 38] بالنصب حَمْلًا لنون على التنوين، إلا أن سيبويه رحمه الله تعالى لا يُجِيزُ حَذْفَ التنوين لالتقاء الساكنين إلا في شعر، وقد أجازه المُبرِّدُ في الشعر.وقرأ يحيى والنخعي وأبو حيوةو: {فلق} فعلًا ماضيًا، وقد تقدَّم أن عبد الله قرأ الأولى كذلك، وهذا أدَلُّ على أن القراءة عندهم سُنَّةٌ مُتَّبَعَةٌ ألا ترى أن عبد الله كيف قرأ {فلق الحب} فعلًا ماضيًا، وقرأ {فالق الإصباح} والثلاثة المذكورين بعكسه.قال الزمخشري: فإن قلت: فما معنى فلق الصبح، والظلمة هي التي تنفلق عن الصُّبح، كما قال: [الطويل] قلت: فيه وجهان:أحدهما: أن يُرَادَ: فالق ظلمة الإصباح، يعني أنه على حذف مضاف.والثاني: أنه يُرَاد: فالق الإصباح الذي هو عمود الفَجْرِ عن بياض النهار وإسْفَارِهِ، وقالوا: انشق عمود الفجر وانصدع، وسمّوا الفجر فلقًا بمعنى مَفْلُوق؛ قال الطائي: [البسيط] وقرئ: {فالق} و{جاعل} بالنصب على المَدْحِ انتهى.وأنشده غيره في ذلك: [البسيط] قال الليث: الصبح والصباح هما أوَّلُ النهار، وهو الإصباح أيضًا، قال تبارك وتعالى: {فالق الإصباح} يعني الصبح.وقيل: إن الإصباح مصدر سُمِّيَ به الصبح كما تقدم.قوله: {وجَاعل اللَّيْل} قرأ الكوفيون: {جَعَلَ} فعلًا ماضيًا، والباقون بصفغة اسم الفاعل والرَّسْم يحتملهما، و{اللَّيْل} مَنْصُوبٌ عند الكوفيين بمقتضى قراءتهم، ومجرور عند غيرهم، وَوَجْهُ قراءتهم له فعلًا مناسبة ما بعده، فإن بعده أفعلًا ماضية نحو: {جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ} و{هُو الذي أنْشَأ} إلى آخر الآيات ويكن {سَكَنًا} إما مفعولًا ثانيًا على أنَّ الجَعْل بمعنى التصيير، وإما حالًا على أنه بمعنى الخلق، وتكون الحال مُقدّرة، وأما قراءة غيرهم ف {جاعل} يحتمل أن يكون بمعنى المضين ويؤيده قراءة الكوفيين، والماضي عند البصريين لا يعمل إلا مع أل خلافًا لبعضهم في مَنْع إعمال المعرَّف بها، وللكسائي في إعماله مُطْلَقا، فإذا تقرَّر ذلك ف {سَكَنًا} مَنْصُوبٌ بفعل مُضْمَرٍ عند البصريين، وعلى مقتضى مذهب الكسائي ينصبه به.وزعم أبو سعيد السِّيرَافِيُّ أن اسم الفاعل المتعدي إلى اثنين يجوز أن يعمل في الثَّاني، وإن كان ماضيًا.قال: لأنه لما أضيف إلى الأوَّل تعذَّرت إضافته للثاني، فتعين نصبه له.وقال بعضهم: لأنه بالإضافة أشهب المعرف بأل فيستعمل مطلقًا فعلى هذا {سكنًا} منصوب به أيضًا وأما إذا قلنا: إنه بمعنى الحال والاستقبال، فَنَصْبُهُ به، وسكن فعل بمعنى مَفْعُول كالقبض بمعنى مَقْبُوض، ومعنى سَكَن، أي ما يسكن إليه الرجل، ويطمئن إليه استئناسًا به واسترواحًا إليه من زَوْجٍ أو حبيبٍ، ومنه قيل للنار سكن؛ لأنه يُسْتَأنَسُ بها، ألا تراهَمَ كيل سمّوها المُؤنِسَة.قوله: {والشَّمْسَ والقَمَرَ حُسْبَانًا} قرأ الجمهور بنصب {الشَّمس والقمر} وهي واضحة على قراءة الكوفيين، أي: بِعَطفِ هذهين المنصوبين على المنصوبين بـ {جعل} و{حُسْبَانًا} فيه الوجهان في {سَكَنًا} من المفعول الثاني والحال.وأما على قراءة الجماعة فإن اعتقدنا كَوْنَهُ ماضيًا فلابد من إضمار فِعْلٍ ينصبهما، أي: وجعل الشمس.وإن قلنا: إنه غير ماضٍ فمذهب سيبويه أيضًا أن النَّصْبَ بإضمار فعل، تقول: هذا ضاربٌ زيدًا الآن أو غدًا أو عمرًا بنصب عَمْرٍو، وبفعل مُقدَّرٍ لا على موضع المجرور باسم الفاعل، وعلى رأي غيره يكون النصب على محل المجرور، ونشدون قوله: [البسيط]
|